الزواج المثالي

اشارة

سرشناسه:مكارم شيرازي، ناصر، 1305 -

عنوان و نام پديدآور: الزواج المثالي/مكارم الشيرازي ؛ اعداد عبدالرحيم الحمراني.

مشخصات نشر: قم: دارالنشرالامام علي بن ابي طالب عليه السلام، 1430 ق.، 1388.

مشخصات ظاهري: 64 ص.

شابك:7000 ريال:978-964-533-060-4

يادداشت: عربي.

يادداشت: پشت جلد به انگليسي: Makarem Shirazi. Exemplary marriage.

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع:علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- زناشويي

موضوع:فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل از هجرت - 11ق. -- زناشويي

موضوع:زناشويي (اسلام) -- آداب و رسوم

شناسه افزوده:حمراني، عبدالرحيم

رده بندي كنگره:BP258/5/م7ز9 1388

رده بندي ديويي:297/725

شماره كتابشناسي ملي:1911071

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

المقدّمة

بسم اللّه الرحمّن الرّحيم

الحمد للَّه كما هو أهله الذي لاحدّ لصفات جلاله وجماله. ولا يستطاع وصفه. فهو الأوحد الذي ليس له كفؤ، بينما خلق من كلٍّ زوجين.

والشكر والحمد يليق بساحته القدسية الذي جاوزت نعمه الإحصاء ولم يمسك رحمته عصيان العباد.

والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمّد صلى الله عليه و آله الذي أنقذ البشرية من ضلال الكفر ووضع عنها أغلال الأسر للعصبيات العمياء والقيود التي طوقت أيديها وأرجلها وهداها إلى دار السعادة والكمال.

والتحية والثناء اللامتناهي على سيّد الأولياء وإمام المتقين أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى سيّدة النساء زوجه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وأبنائها المعصومين ولا سيّما بقية اللَّه الحجّة بن الحسن العسكري عليه السلام الذين حملوا وإلى الأبد بجدّهم واجتهادهم وصبرهم وقيامهم وقعودهم مشعل الدين ورووا عشاق الحقّ من عذب مياه الحياة.

ص: 4

أصبحت قضية تكوين الأسرة وزواج الشبّان من أعقد القضايا الاجتماعية المعقدة اليوم، وقلّما نجد أسرة فيها فتى وفتاة ولا تعاني من هذا الأمر.

فهناك كثير من المعضلات أمام هذه المسألة المهمة وفي ذات الوقت الحياتية البسيطة استفحلت لتتجسد بشكل هيولا وحشية.

فهنالك العديد من البنات اللآتي بقين رهينات البيت وينتظرن الزواج ويرين أنفسهن يواجهن سيلًا من المشاكل العظيمة ومواضع يصعب اجتيازها في حين لا يعانين من مشكلة أساسية.

وهنالك العديد من الفتيان الذين تجاوزوا سني عنفوان الشباب ومازالوا يراوحون أملًا في تكوين الأسرة، غير أنّ الآداب والعادات الاجتماعية السيئة والتقاليد الخاطئة التي ألصقت بهذا الأمر الحيوي حالت دون بلوغهم الهدف.

والعجيب أنّ هذه المسألة من القضايا المعقدة في العوائل الغنية والفقيرة على حدّ سواء؛ فكلّ يحمل جبلًا من التوقعات الخاطئة ويغط تحت أطلال ثقيلة من العادات والتقاليد الساذجة.

والأعظم أسفاً حيث إنّ الأسس تقام عوجاء منذ البداية فإنّ بناء أغلب الأسر معوج حتّى السقف، وبما أنّه يفتقر إلى الأساس المحكم فهو عرضة على الدوام للتقلبات والاضطرابات.

هذا في الوقت الذي ندرك فيه أنّ «الأسرة البشرية الكبرى» إنّما تتكون من هذه «الأسر الصغيرة» فكلّ منها بمثابة طابوقة في هذا المبنى الشامخ، ورصانة هذا البناء الفخم تتوقف على متانة هذه

ص: 5

الوحدات الصغيرة.

فإن كانت هذه الطابوقات محكمة ومرتبة وصافية وصلبة كان لذلك البناء عمر مديد ومفيد. وبالعكس إن كان ضعيفاً وأعوجاً تقاذفته الأمواج وآل سريعاً إلى السقوط والانهيار.

وبناءً على هذا فإنّ لقضية تكوين الأسرة على أساس الاسوة والمعايير والمثل السليمة إرتباط مباشر وحميم بحل المشاكل الأسرية والمنغصات الشخصية للناس من جهة، ومن جهة اخرى لها صلة واضحة بحلّ المشكلات الاجتماعية.

وعلى هذا الضوء لابدّ من التفكير قبل كلّ شي ء برصانة الأسس بغية تعزيز روابط الناس الاجتماعية العامة وتشييد صرح الأسرة على دعائم قوية ومحكمة.

الجدير بالذكر أنّ الروايات الإسلامية شبهت تكوين الأسرة بتشييد البناء، وهو البناء المحبب لدى اللَّه كما ورد في الحديث النبوي الشريف:

«ما بُنِيَ بَناءٌ فِي الإسْلامِ احَبُّ إلى اللَّه مِنَ التَّزْوِيِج»(1).

الأسرة مصدر الأمن والاستقرار حيث قال تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ انْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ ازْواجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً انَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُوْنَ»(2).

ولكن ممّا يؤسف له أنّ أغلب العقلاء والمفكّرين حين يبلغون هذه المرحلة يقفون عن التفكير في العوامل الأصلية للمودّة والرحمة


1- وسائل الشيعة، ج 14، ص 30، ح 3
2- سورة الروم، الآية 21

ص: 6

ويستفرغون تفكيرهم في الآداب والسنن الخاطئة والقيم الباطلة والعقائد الخرافية.

المثل الإسلامية في الزواج

أحد الدلائل على عظمة تعليمات الإسلام أنّها تناولت بعناية فائقة وتركيز عجيب هذه المسألة الحياتية المهمّة، ولم تغض الطرف وتتجاهل أيّة خطة ناجعة من أجل تكوين أسرة سليمة خالية من أي انحراف واعوجاج، حيث اهتم الإسلام منذ الخطوة الاولى لتشكيل الأسرة ولبنتها الأساس والأهداف الأصلية لهذا العمل والمثل الرفيعة التي تسوده وحذر من مغبة ما يناهض القيم من قبل بعض الوسواسين الخناسين الذين يحاولون فرض أفكارهم كأسس في تكوين الأسرة.

وتتجه هذه التعليمات تارة صوب صفات النساء الجديرات بالزواج والتي ينبغي الالتفات إليها حين الخطبة، فتصرح قائلة

«إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكّل إلى ذلك وإذا تزوجها لدينها رزقَ اللَّه المال والجمال»(1).

كما جاء في حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ شخصاً أتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسأله عن الزواج (والقيم التي يبتني عليها) فقال صلى الله عليه و آله:

«إنكح وعليك بذات الدين تربت يداك»(2).


1- وسائل الشيعة، ج 14، ص 30، ح 1 روي هذا الحديث بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام
2- وسائل الشيعة، ج 14، ص 30، ح 2

ص: 7

وتارة اخرى عبر عن النساء الجميلات في الأسر الملوثة العديمة الإيمان والتربية ويغض أغلب الناس الطرف عن عيوبهن بسبب جمالهن، بالوردة في القمامة. فقد جاء في الخبر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قام خطيباً (وهذا دليل على أهميّة الموضوع وابتلاء فئة عظيمة من الناس بهذه القضية) وقال:

«أيّها الناس إيّاكم وخضراء الدمن».

قيل: يا رسول اللَّه وما خضراء الدمن؟

قال صلى الله عليه و آله:

«المرأة الحسناء في منبت السوء»(1).

ترى أين هذه الرؤية للمثل السائدة في اختيار الزوجة وما هو شائع في وسط البعض الذي تجاوز حتّى مسألة المال والجمال واستغرق في أموال أبيها وأقربائها؛ أي يتطلع إلى موتهم ليستولي على أموالهم! وأحياناً يواجه الأوهام التي يطرحها البعض على صعيد التفاوت الطبقي حين الزواج فلا يرون على سبيل المثال الشاب المؤمن الطاهر كفؤاً لبنتهم كون أبوه عاملًا أو فلاحاً، حتّى أنّهم ليقدمون على هذه الفضائل الأمور العرقية والقبلية فيصرح بتكافؤ دماء المؤمنين وكلّ منهم كفؤ الآخر في الزواج 6).

هذا في الوقت الذي مازال بعض الأفراد الذين لم يتعمّقوا في الإسلام يذمّون زواج العربي من غيرالعرب ويعيبون زواج بني هاشم من غيرهم حتّى بعد انتشار الإسلام واستقراره في أماكن عديدة من العالم!


1- فروع الكافي، ج 2 ص 5

ص: 8

قال النبي صلى الله عليه و آله:

«المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»(1).

ولكن أيمكن تطبيق هذه التعليمات الإسلامية الراقية في المجتمعات المعاصرة، بل حتّى في أوساط الطبقات المتدينة ظاهراً، والقضاء على عشرات القيود الموهومة التي وضعوها لزواج بناتهم وولدهم من الآخرين!

والجدير بالذكر أنّ هذا المضمون ورد في عدّة أحاديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أو أئمّة الهدى عليهم السلام إذ قالوا:

إذا جاءَكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(2).

وهذا التحذير يوضح الأبعاد الخطيرة للخرافات التي تسود قضية الزواج بهذا الخصوص؛ ولعلّ أغلب المفاسد الجمّة التي تسود اليوم المجتمعات البشرية مصداق لما حذّر منه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في هذه الأحاديث.

والإسلام يركز تارة بصورة كلية على قضايا المهور والجهاز وتكاليف الزواج ويستعرض مطالب ضرورية بالاستشهاد بمفهومين واضحين تماماً؛ أي السعادة والشقاء.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«أمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها»(3).

وجاء في رواية اخرى

«إنّ من بركة المرأة قلّة مهرها ومن شؤمها


1- وسائل الشيعة، ج 14، ص 49، ح 7
2- المصدر السابق، ص 51، ح 1 و 2 و 3
3- التهذيب، ج 2، ص 226

ص: 9

كثرة مهرها»(1).

وتتواصل هذه القضية لتبلغ مسألة انعقاد نطفة الولد، ثمّ تغذية الامّ في فترة الحمل وتسمية المولود ومن ثمّ صفات المرأة التي تنتخب للرضاع والتي تورث الوليد أخلاقها وطباعها عن طريق اللبن وبالتالي مسألة المعلم ووظيفة الأب والأُمّ إزاء تعليم ولدهما وتربيته والذي لكلّ منها موضع خاصّ في التعاليم الإسلاميّة وتضمنت الروايات وصايا واضحة وصارمة بشأنها، والتي ركزت على المثل الإنسانية وتصدرتها المسائل التربوية، ولم تغفل حتّى عن المسائل التي تبدو صغيرة.

في القضايا المتعلقة بالزواج وتكوين الأسرة وتربية الطفل من جانب ومدى النظرة الدقيقة للإسلام في هذه المسائل الحيوية من جانب آخر، ليذكرنا بذلك المصرع المعروف من الشعر ومضمونه:

«انظر مدى اختلاف المسير أين هذا من ذاك».

وقد بلغ الأمر بحيث إنّ مراسم الزواج التي ينبغي أن تكون عادة مبعث الفرح والسرور لأسرتي الطرفين تحولت إلى فترة عصيبة مليئة بالهم والغم.

فقد كسر ظهر العريس بذلك المهر الثقيل في النقد والنسيئة والتكاليف الفادحة لحفل الزفاف ومختلف أنواع أدواة التجميل والمجوهرات، كما كسر ظهر العروس بذلك الجهاز الفادح الذي لا


1- من لا يحضره الفقيه، ج 2 ص 124

ص: 10

ينطلق سوى من تقليد الآخرين التقليد الأعمى والأوهام والخرافات التي تسوده، ولعلّ أفراد كِلتا الأسرتين يقضون أمرّ ساعات عمرهم في هذه الجلسات التي يصطلح عليها بجلسات السرور أو مقدماته.

ترى كم من ماء وجه سيزول وأية كدورة وعداء سيحلّ وأية مشاكل ستحدث وربّما تلقي شؤمها حتّى آخر العمر على تلك الأسر!

فهل سيحلّ اليوم الذي تتميز فيه الحقيقة عن الخرافة في هذه القضية الحيوية وتدحض القيم الكاذبة بالقيم الصحيحة وتستبدل أمّتنا الإسلاميّة تلك السنن والتقاليد البالية الخاطئة بالتعاليم الإسلاميّة.

وقد انتخبنا في هذا الكتيب طريقاً آخر بغية الوقوف على عمق التعاليم الإسلاميّة بهذا الخصوص بدل دراسة شرح الآيات والروايات، ونعتقد بعظم تأثير ذلك في إيقاظ الأفكار، ويكمن في أن نتجه صوب أسرة قدوة لا نظير لها في الإسلام وقد تكونت على أساس الإشراف التام من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؛ أي زواج علي عليه السلام من سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام ليكون اسوة وقدوة حسنة للمسلمين.

ناصر مكارم الشيرازي

اوّل جمادي الثاني 1410

ص: 11

مميزات الأسرة النموذجية

اشارة

ص: 12

ص: 13

خصائص هذه الأسرة النموذجية

يمكن لهذه الأسرة أن تكون لوحة حيّة معبّرة عن تعاليم الإسلام الحيوية بفضل تمتعها بالخصائص التالية:

1- يتمتع طرفا هذه الأسرة برابطة حميمة بنبي الإسلام صلى الله عليه و آله:

فاطمة الزهراء عليها السلام بنته التي حفظت نسل النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ابن عم النبي صلى الله عليه و آله صاحبه الحميم منذ بزغت شمس الإسلام حتّى آخر لحظات عمره الشريف.

2- ولدت الزهراء عليها السلام في الإسلام وكان لعلي عليه السلام عشر سنوات حين بعث النبي صلى الله عليه و آله فترعرعا في أحضان الإسلام وتربيا على آدابه وتعاليمه.

3- خضعت الخطبة والعقد ومراسم الزفاف وتربية الأبناء لإشراف شخص النبي صلى الله عليه و آله وتعاليمه. وعليه فالزواج المذكور كان إسلامياً بمعنى الكلمة وتجلّت فيه جميع المثل والقيم الإسلاميّة النبيلة.

وإننا ننوي بطرح هذه المسألة مواكبة القارئ العزيز في طي

ص: 14

مختلف مراحل تكوين هذه الأسرة النموذجية والوقوف على عصارة التعاليم الإسلاميّة والمفهوم الصحيح للحياة الأسرية، ثمّ نحكم ضمائرنا ونتأمل قليلًا لنرى: ما الإسلام الأصيل والواقعي؟ ومن نحن؟ ما رسالة التربية الإسلامية وكيف تربيتنا اليوم؟

للأسف اقتصر البعض من الإسلام على سلسلة من الآداب السطحية ويأتي بالصلاة والصوم والحجّ الصوري الفاقد للروح والمضمون والقرآن الخالي من التدبّر والدعاء الذي يفتقر لحضور القلب والزيارة بهدف السياحة دون أن يكون للإسلام في أعماقهم من جذور.

حقّاً إنّ قضية تكوين الأسرة والقيم التي تحكمها يمكن أن تكون محكاً حسناً لمعرفة المسلم الحقيقي من المسلم السطحي.

فأولئك الذين يتحدّثون عن الحجّ والصوم والصلاه إنّما يصرون حين تزويجهم لبناتهم على المهور المليونية وبغية الاحتياط وحالة التضخم التي يمكن أن تحدث في المستقبل يستبدلون مبلغ المهر من الأموال المتداولة بالذهب الخالص، وإذا ما تحدّثوا عن التكاليف ومقدار المصوغات الذهبية تنتفخ أوداجهم وكأنّ كيانهم تعرض للخطر! وهم لا ينفكون عن الكلام عن شغل الزوج وما لديه من ثروة وإمكانات ويتناسون اللَّه بالمرّة ويفقدون التوكل على اللَّه في حياتهم.

فسرعان ما يبادرون إلى السؤال عن ملكية الزوج لبيت في حين أغلب الشبّان ممّن يتسلمون مرتبات شهرية ولو جمعوا مرتباتهم

ص: 15

لثلاثين سنة لما أصبحت قيمة دار بسيط إلّابمشقّة.

من جانب آخر فإنّ الذين يتقدمون لخطبة بنت، همُّهم مفروشات البيت والزينة وميراثها المحتمل في المستقبل وقدرتها على إعداد مسائل كمالية تعرف ب «الجهاز» بحيث ربّما لا يحتاجها طيلة عمره لأكثر من مرّة.

وهنا يستذكر الإنسان إن لم يكن في ذلك تجاوز وإن شاء اللَّه ليس كذلك ما ورد عن أبي الأحرار في العالم الإمام الحسين عليه السلام بشأن فئة من الناس:

«إنّ الناس عبيد الدنيا والدّين لَعِق على ألسنتهم».(1)

أو ما ورد في الحديث النبوي الشريف بخصوص طائفة من الناس:

«يقرأون القرآن ولا يجوز تراقيهم»(2).

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ لهذا التعامل مع حقائق القرآن وتعاليم الإسلام عواقب وخيمة ويستوجب العقوبة الإلهيّة.

ففي الحديث النبوي الشريف:

«من قرأ القرآن ثمّ شرب عليه حراماً، أو آثر حبّاً للدنيا وزينتها، استوجب عليه سخط اللَّه، إلّاأن يتوب»(3).


1- بحارالانوار، ج 75، ص 116
2- اصول الكافي، ج 2، ص 450، ح 3. كتاب القرآن، الباب 9 ترتيل القرآن بالصوت الحسن
3- بحار الأنوار، ج 92، ص 180، ح 13

ص: 16

على كلّ حال هدفنا أن نجعل إن شاء اللَّه هذه الأسرة النموذجية في الإسلام أسمى قدوة في بناء الحياة الأسرية وأن نسأل اللَّه بحقّهم أن يوفقنا لاتباع ما تركوه لنا من سنن حسنة. «آمين يا ربّ العالمين».

***

ص: 17

1- خطبة عجيبة

اشارة

ص: 18

ص: 19

الخطوة الاولى

تبدأ الخطوة الاولى في تكوين الأسرة بالخطبة. وعادة ما تكون الخطبة من قبل أسرة الخاطب في أغلب مناطق العالم ومنها المنطقة التي نعيش فيها، بينما تكون في بعض البلدان (كبعض مناطق الهند) من طرف أهل البنت! فهم الذين يتجهون صوب أهل الولد وينتخبونه ويسعون لكسب قلوبهم من خلال التعهد بجهاز مكلف.

كما تحصل الخطبة عن طريق الصحف في أغلب البلدان الغربية وكذلك في بعض المناطق الشرقية المتأثرة بالغرب فيقدم كلّ من الولد والبنت هويتهما إلى بعض الصحف ويعلن استعداده للزواج (واستعدادها) على ضوء بعض الشرائط والخصائص.

والعجيب أنّ المميزات التي يطرحها الطرفان عبارة عن سلسلة من الامور الظاهرية والمادية مطلقاً من قبيل: طول القامة ووزن البدن ولون الشعر ولون البشرة والعينين ومدى الجمال (طبعاً حسب تشخيصهم) وسائر المسائل كالعلاقة بالرياضة والموسيقى وقضايا

ص: 20

بهذا الخصوص.

فالقيم المعنوية ليست مغيبة في هذه المجتمعات وحسب، بل يعدّونها أحياناً ضرباً من الخرافات ويسخرون منها.

وظهر أخيراً نوع من الخطبة في وسط بعض الشرائح الدينية حيث يقيمون مركزاً للتزويج يرجع إليه الطرفان ممّن لديه استعداد للزواج السليم؛ ويتصدى في هذه المراكز عدد من الأفراد الموثوقين والملتزمين الذين يتولون الإشراف على عقود الزواج وينظمون ملفاً سرياً لكلّ خاطب ويسجلون الخصائص المعنوية والمادية للفتاة التي يرغب الخاطب في الإقتران بها، وبالطبع كلّما ازداد العدد أمكن لكلّ فرد بسهولة أن يظفر بالطرف المقابل.

والحقّ هنالك بعض الضوابط لمثل هذه المراكز التي تحول دون استغلال بعض العناصر الفاسدة أو اختراقها، ولو انتشر هذا النشاط بأسلوب صحيح ولطيف لحلّ أغلب مشاكل انتقاء الزوج والزوجة، مع ذلك لا يخلو هذا النوع من الخطبة من بعض العيوب والنقائص.

على كلّ حال فلا يمكن إنكار أنّ القيم التي تحكم قضية الخطبة سواء من جانب الفتى أو الفتاة لم تتخذ لحدّ الآن صبغة إسلاميّة في المجتمعات الإسلاميّة، وغالباً ما تتمحور حول الامور المادية وأحياناً امور وهمية وخيالية وكاذبة ومزيفة.

وقلّما تجد من لا يفكر في مجوهرات البنت ومدى جمالها ومالها وثروة أبيها وجهازها حين الخطبة.

ص: 21

وهكذا بالنسبة للخاطب حيث غالباً ما يركز أهل البنت على داره السكنية ومكانته الاجتماعية وشغل الأب والوسيلة النقلية والحديثة.

كما تطرح هذه الأيّام تحصيلاته الدراسية والمراد منها بالطبع الشهادة وإمكانية الحصول على وظيفة، لا العلم والمعرفة! كما لا يمكن التنكر إلى أنّه مازال هنالك بعض الأفراد الذين يركزون في تفكيرهم على العفة والنجابة والإيمان والأخلاق وحسن السلوك والإيثار والتضحية وورع وتقوى زوجة المستقبل، ولكن يصعب تعيين النسبة المئوية لعدد المسلمين الذين يحملون هذا التفكير في المجتمع.

***

ونتجه الآن صوب الأسرة لنرى معيار تعيين قيمة الزوج.

ونلمس هذا المعنى في عدّة روايات عن الإمام الصادق عليه السلام أو سائر المعصومين عليهم السلام:

«لولا أنّ اللَّه خلق أميرالمؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام ما كان لها كفؤ على الأرض»(1).

ومن الواضح أنّ عدم التكافؤ هذا ليس من حيث القيم الظاهرية والمادية، بل يركز صرفاً على القيم المعنوية والإيمان والورع والتقوى والقرب من اللَّه والمقامات الإنسانية العالية.

كما روي هذا المطلب عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: هبط عليّ جبرئيل عليه السلام وقال يا محمّد يقول اللَّه جلّ جلاله:

«لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(2).


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 97، ح 6
2- المصدر السابق، ص 92، ح 3

ص: 22

جدير ذكره أنّه ورد في صدر الحديث المذكور: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام: يا علي عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة، وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً. فقلت لهم: واللَّه ما أنا منعتكم وزوجته، بل اللَّه منعكم وزوجه، فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمّد لو لم أخلق ...

وجاء في حديث آخر عن علي عليه السلام قال: خطب أبو بكر وعمر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال عمر: أنت لها يا علي:

فقال: مالي من شي إلّادرعي أرهنها، فزوجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فاطمة فلمّا بلغ ذلك فاطمة بكت. قال فدخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: ما يبكيك يا فاطمة، ثمّ قال صلى الله عليه و آله:

«واللَّه لقد انكحتك أكثرهم علماً وأفضلهم حلماً وأولهم سلماً»(1).

وورد هذا المطلب بشكل أوسع في رواية اخرى وإنّ فاطمة عليها السلام لما سمعت ذلك الكلام سرت كثيراً. وأراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في فرصة اخرى أن يسبغ عليها فضلًا أعظم بهذا الشأن فقال:

«يا فاطمة لعلي ثمان خصال: إيمانه باللَّه وبرسوله، وعلمه وحكمته وزوجته وسبطاه الحسن والحسين وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقضاؤه بكتاب اللَّه»(2).


1- بحار الأنوار، ج 43 ص 136
2- المصدر السابق، ص 98

ص: 23

العقد السماوي

قطعاً الزواج الذي يبنى على أساس هذه القيم والمثل الرفيعة لابدّ أن يكون عقده تمّ في السماء.

لذلك جاء في الرواية أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال:

«يا فاطمة إن اللَّه اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها بعلك، فأوحى إليّ فأنكحتكه، أما علمت يا فاطمة أنّ لكرامة اللَّه إيّاك زوجك أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً»(1).

باقات ورود الجنّة

عادة ما تقدّم باقة من الزهور في مراسم العقد أو الزفاف والزواج.

وفي حديث: أتاني جبرئيل ومعه سنبل الجنّة فأخذتها وشممتها.

فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟

فقال: إنّ اللَّه تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب. ثمّ نادى مناد من تحت العرش: ألا أن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب عليه السلام ألا أنّي أشهدكم أنّي قد زوجت فاطمة بنت محمّد من علي. ثمّ بعث سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلوها، وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنّة(2).


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 98
2- المصدر السابق، ص 102( بتلخيص)

ص: 24

وفي حديث آخر عن الرضا عليه السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال:

«ما زوجت فاطمة إلّابعد ما أمرني اللَّه عزّوجلّ بتزويجها»(1).

هالة الحياء

كما ذكرنا فإنّ الأمر اليوم بلغ مرحلة أنّ البنين والبنات في بلدان الغرب والبلدان المتأثرة به يعلنون في الصحف بصورة قبيحة ومبتذلة بغية الظفر بشريك الحياة في المستقبل فيشرحون تفاصيل أعضاء البدن ودقائقه والشي ء الغائب لديهم لباس الحياء الجميل.

والحال مازالت هذه القضية سائدة لدى الأسر الدينية التي تجعل المرأة في هالة رائعة من القدس والعفاف وتحيلها إلى جوهرة ثمينة ذات قيمة رفيعة، في حين إسقاط مسألة الحياء يسوق المرأة إلى الابتذال ويحط من قدرها وقيمتها.

ومازال السائد في الأوساط الملتزمة أنّ الوكيل في مجالس العقد يجب أن يكرر عدّة مرّات التوكيل حين أخذ الوكالة من البنت لإجراء صيغة الزواج لتوافق عليه البنت. وبالقول بكلمة واحدة «بلى» التي تنتظر سماعها جميع آذان الحاضرين والحياء يحول دون إسراع العروس بقول هذه الكلمة، وتنطلق تهليلات الحاضرين وسرورهم حين تنطلق هذه الكلمة البسيطة الممزوجة بكلّ ذلك الحياء في وسط المجلس.

وهذا الحياء يفيض قيمة على المرأة، فقارن ذلك بالزواج الوقح


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 104

ص: 25

والقبيح والمبتني على الصحيفة، كم هو مبتذل ومهزلة!

والطريف في الأمر ما ورد في الروايات الإسلامية من عدم لزوم سماع كلمة «بلى» بالنسبة للبنات ويكفي السكوت ذو المعنى والمقرون بالحياء الذي يفيد الرضى.

وقد خلقت سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام هذه الاسوة حين تقدّم لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعض الأفراد من أشراف مكّة والمدينة لطلب يدها عليها السلام فلمّا أبلغها صلى الله عليه و آله ذلك أشاحت بوجهها وأوحت أنّها ليست راضية قط بهذا الأمر.

بينما سرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين أتاه علي عليه السلام لخطبة الزهراء عليها السلام فدخل صلى الله عليه و آله على فاطمة عليها السلام نهضت وتناولت العباء من كتفه وخلعت نعليه وأتت بالماء وجعلت تغسل وجهه صلى الله عليه و آله ثمّ غسلت رجليه، ثمّ جلست بين يديه. فقال النبي صلى الله عليه و آله: فاطمة.

قالت عليها السلام: لبيك لبيك.

ثمّ قال صلى الله عليه و آله: إن علي بن أبي طالب ممّن قد عرفت قرابته وفضله في الإسلام، وإنّي سألت ربّي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه. وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت فاطمة عليها السلام.

فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو يقول (مسروراً):

«اللَّه أكبر سكوتها إقرارها»(1).


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 93

ص: 26

ص: 27

2- المهر

اشارة

ص: 28

ص: 29

ضجة المهر

خلافاً لما يتصوره البعض فإنّ الإسلام أولى قليلًا من الأهميّة للمهر، بحيث لو تزوج الرجل والمرأة زواجاً دائمياً ولم يذكرا المهر لما قدح ذلك في الزواج وكان صحيحاً، وللمرأة في هذه الحالة مهر المثل (المهر المقرر لأمثالها من النساء).

وما زال الإفراط والتفريط في هذه القضية كأغلب سائر القضايا سائداً في مجتمعاتنا، فالبعض يلهث وراء المهر الفاحش ويعين له بعض الحدود وكأن قيمة المرأة تتمثل فيه، ويظنون أنّ قلّة المهر دليل على عدم شخصية المرأة وكثرته دليل على عظمتها ومكانتها.

وأغلب الأفراد يتحدثون عن المهر ويستغرقون فيه وكأنّهم يرومون شراء بيت أو عقار، ولا يقتنعون بالمهر المؤجل والباقي في الذمّة، بل لا يكتفي حتّى بالمهر النقد من نوع «النقد المتداول»، حيث يتناقص مع مرور الوقت وتقل قيمته. فلابدّ أن يكون «مسكوكات ذهبية» و «ملكية تامة».

ص: 30

وبالمقابل هنالك البعض «وتقليداً للأوربيين الذين لا مهر عندهم» يعارض تماماً المهر ويعتبره عبثاً، والحال للمهر فلسفة يغفل عنها ويجهلها هذا الفريق.

ويمكن إيجاز فلسفة المهر في عدّة امور:

1- المهر نوع من الاحترام والإكرام لمقام المرأة الرفيع، وهو في الواقع هدية من الزوج كدليل على الحبّ وجديّة رباط الزوجية.

2- متعارف في أغلب المناطق أنّ المرأة تحمل جهازاً إلى بيت الزوج وعادة ما نعاني من بعض المشاكل في إعداد الجهاز، والمهر النقدي معونة من قبل الزوج لإعداد الجهاز ودلالة على الوفاء وتقبل المسؤولية بالنسبة للحياة المستقبلية.

3- يمكن للمهر أن يكون تعويضاً اقتصادياً إلى حدّ ما للمرأة في حالة الانفصال؛ ذلك لأننا نعلم بأن فرصة المرأة المطلقة للزواج أقل منها بالنسبة للرجل.

4- المهر غير النقدي عامل وقائي إزاء الطلاق. ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل الشارع المقدس لا يعين له حدّاً ولم يقل بنوع معين بدأ بالامور التي تقتصر على الجانب المعنوي مثل «تعليم القرآن» وانتهاء بالمهور المادية الغالية؛ حسب اختلاف الشرائط وتفاوت الأفراد.

وفي نفس الوقت وردت الوصايا المؤكدة التي تحث على قلّة المهور.

ص: 31

قال علي عليه السلام:

«لا تغالوا بمهور النساء فتكون عداوة»(1).

وروى المرحوم الصدوق في رواية مرسلة عن المعصومين عليهم السلام:

«من بركة المرأة قلة مهرها ومن شؤمها كثرة مهرها»(2).

وتنطلق كثرة المهر في عصرنا من ثلاثة عوامل رئيسية هي:

1- مراعاة للوسط والآخرين والتسابق في هذه المسائل حيث يريد بعض الأفراد عن هذا الطريق بظنهم الظفر بشخصية أسمى لهم أو لأبنائهم.

2- أحياناً لغلبة الروح المادية والقيم المادية التي تشكل أساساً محور جوهر البعض لبلوغها، وحيث إنّ المهر الأكثر يقترن بدخل أكثر على المدى القريب أو البعيد فهم يرجحونه.

3- وأخيراً أحياناً يفرزه عدم الثقة المتبادله بين الزوج والزوجة أو أسرتيهما. ذلك لأنّهما يخشيان عدم استمرارية حياتهما المشتركة ويحاولان الحيلولة دون الانفصال بهذا المهر الفاحش، أو مساعدة المرأة في ما يفرزه من مشاكل على فرض الانفصال.

قطعاً لو زالت العوامل الثلاثة المذكورة واعتبرت الأُسر أنّ الزواج حياة مشتركة مستقبلية في ظلّ الإيمان والتقوى لما كان هنالك ما يدعو إلى هذه المهور التي تكسر الظهور.


1- وسائل الشيعة، ج 15، ص 11، ح 12
2- المصدر السابق، ص 10، ح 8

ص: 32

مهر «سيّدة النساء»

لننطلق الآن نحو الأسرة النموذجية لنتقدي بها ونظفر بطريق ومنهج الحياة المقرونة بالهناء في ظلّ هديها، ونميز المهر الإسلامي عن غيره.

فقد جاء في الأخبار أنّ مهر سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام وتكاليف الجهاز كانت من مال درع اشتراه علي عليه السلام للقتال.

قال النبي صلى الله عليه و آله: بع الدرع. قال علي عليه السلام بعت الدرع وأتيت النبي صلى الله عليه و آله بثمنه فقبض صلى الله عليه و آله قبضة منه ودفعه إلى بلال وقال له:

إبتع لفاطمة طيباً.

ثمّ قبض مقداراً من ذلك المال ودفعه إلى جماعة قائلًا لهم:

اشتروا به ما يصلح فاطمة من ثياب وأثاث للبيت 24).

وفي خبر آخر صداق الزهراء عليها السلام كان درعاً من حديد ...(1).

ولكن ورد في حديث أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله جعل صداق الزهراء عليها السلام أربعمائة وثمانين درهماً.

وفي رواية اخرى خمسمائة درهم 26).

وجاء في حديث آخر حين جرى الكلام عن قلّة المهر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال للزهراء عليها السلام:

«لم أزوجك من علي بل اللَّه زوجك وجعل


1- المصدر السابق، ص 104

ص: 33

مهرك خمس الدنيا ما دامت السموات والأرض»(1).

وهذا المهر الرباني العظيم أجر تلك التضحية التي أبدتها الزهراء عليها السلام، حتّى ورد في الحديث النبوي الشريف المروي في مصباح الأنوار أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام:

«إن اللَّه عزّوجلّ زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى عليها حراماً»(2).

عادة ما يكون أهل الزوج متطلعين إلى أموال أهل الزوجة، كما أنّ أهل الزوجة كذلك بالنسبة لثروة الزوج.

ولذلك غالباً ما يحققون ويبحثون عن الثروات الموجودة بالفعل أو بالقوّة بدلًا من التركيز على المثل والقيم المعنوية والكمالات الإنسانية والفضائل الأخلاقية.

بينما نقرأ في الحديث أنّ علياً عليه السلام لما خطب لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله الزهراء عليها السلام سأله النبي صلى الله عليه و آله: هل معك شي ء أزوجك به؟

أجاب عليه السلام: سيفي ودرعي وناضحي (الذي أنضح به على أهلي هذا كلّ ملكي المادي).

فقال صلى الله عليه و آله:

«أما سيفك وناضحك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل اللَّه وتقاتل به أعداء اللَّه، لكني زوجتك بالدرع».

وهنا انطلق علي عليه السلام ليبيع الدرع وأتى بثمنه لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ...


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 144
2- المصدر السابق، ص 145

ص: 34

ص: 35

3- الجهاز

اشارة

ص: 36

ص: 37

قضية الجهاز المعقدة

يدرك كلّ شخص فلسفة الجهاز.

فلابدّ للزوجين الذين يريدان أن يعيشا حياة مشتركة جديدة أن يمتلكا على الأقل وسائل العيش الضرورية، وإلّا اضطرا للاتكال على الوالدين وهذا ما يغضبهما ويصادر استقلال الزوجين.

ولذلك شاع في كلّ مكان أن يبعث قرابة العروس بالأدوات الأولية للمعيشة إلى بيت العريس.

وبالمقابل ينهض العريس بسائر تكاليف العروس حتّى جانب من نفقات الجهاز (عن طريق دفع المهر نقداً) فتُحلّ المشاكل بواسطة هذا التعاون والتعاضد.

إلّا أنّ أغلب الناس ينسون هذه الحقيقة في أنّ صلاح وخير العروسين أن يعيشآ الحياة البسيطة، وإن أرادا التوسع حصل هذا الفعل بالتدريج، وبالطبع فإن حمل عب مثل هذه الحياة أسهل وتنبض بروح الحبّ والود والصفاء والمعنوية، بينما تندثر القيم الخلقية العليا تحت

ص: 38

أنقاض الجهاز الفاحش.

ولكن تعال وأنظر ماذا أحاط بهذه المسألة البسيطة من منافسات وفي إعداد الجهاز من أجل السمعة بين الناس! فأحياناً يعيش الوالدان الهم والغم لسنين طوال من أجل إعداد جهاز بنتهما، وعليهما أن يقتصدا في المعيشة لأجل إعداد جهاز يليق بابنتهما وبالأسرة ظنّاً منهما أنّ ذلك يرفع من شأن ابنتهما وشأن الأسرة.

ففي أغلب المناطق تقوم أسرة البنت العروس وأقاربها بحمل جهازها في استعراض بهيج وأحياناً مع الموسيقى والطبول والضوضاء والضجيج متوجّهين إلى منزل الزوج حيث يجتمع الرجال والنساء لمشاهدة هذا الاستعراض المثير، وهذا ما يدعو إلى فخرهم وتباهيهم!

وفي بعض المناطق ما أن تصل قافلة الجهاز حتى تقوم أسرتا الزوجين والأقرباء بترتيب الأثاب في غرفة الزوج مع الشموع حيث يأتي الأصدقاء والأقرباء للاحتفال والمباركة ويعمّ الفرح والسرور بهذه المناسبة.

وهذه التقاليد عند الاسر دائماً تهتم بفخامة الجهاز لكي يتحدث عنه الناس وبذلك يفتخرون دون أن يهتموا بالأمور المعنوية والأخلاقية.

يا لها من عادة سيئة وتقليد هجين! طبعاً إن كان الجهاز على مستوى بسيط من حيث الكيفية والكمية شعرت العروس وأهلها

ص: 39

بالخجل والإحباط وكثر القيل والقال وتحاك الحكايات والقصص، فهذا يقصّ لطيفة وذاك يتحدث متهكماً فيقول: مبروك عليكم إن شاءاللَّه! وآخر يتحدّث مترحماً: هذا ليس مهم، والمهم أن يحبّ أحدهما الآخر! وإن كان كثيراً أسهبت الأحاديث بشأن تهيئة كلّ وسيلة والعناء في نقلها من الأسواق بأثمان خيالية خلال سفر مكّة وسوريا ومن أسواق الدرجة الاولى فيها والتي يندر وجودها.

وليس هنالك من يسأل هؤلاء الأفراد إن كان الجهاز يتعلق بالحياة الخاصّة للعروس والعريس فما معنى عرضه على الآخرين! ترى ما الهدف من هذا الاستعراض العبثي!

أفكلما شرينا أدوات لمنزلنا دعونا الآخرين لرؤيتها!

لسوء الحظ أنّ القيل والقال والشكوى المتعلقة به تبقى بين القرابة لسنوات وآثاره المشؤومة والسيئة تحيل عسل الحياة إلى مرارة العلقم لدى العريس والعروس.

والحال تعلم أنّ فلسفة الجهاز انطلاقة حياة بسيطة ومشرفة مقرونة بالسعادة والتوفيق وليست مسابقات واستعراضات أمام الناس.

والأسوأ من كلّ ذلك سرعان ما تنطلق المقارنات في هذا المجلس بين جهاز هذه البنت وجهاز تلك. وعادة ما تثير هذه المقارنة نيران الحقد والحسد والعداوة في قلوب الحاضرين، كما تدعو إلى مفاسد اخرى، ذلك لأنّ الفعل السيي ء يوجب سلسلة من الأعمال السيئة الاخرى.

ص: 40

جهاز بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله

ولنتجه الآن صوب الأسرة النموذجية ونسلط الضوء على جهاز زواج أفضل نساء العالم بأسمى رجال التأريخ بعد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله والاستلهام منهما.

وقرأنا في الأبحاث السابقة أنّ كلّ ملكية مولى المتقين عليه السلام لمراسم الزواج كانت أموال درع أمره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببيعها ليشتري بها ثياب وجهاز الزهراء عليها السلام.

وكانت قيمة الدرع ثلاثين درهماً على رواية واخرى 480 أو 500 درهم 29)، وبالنظر إلى أنّ الدرهم تقريباً نصف مثقال سكة فضة فإنّه يمكن حساب ثمن الدرع وقيمة جميع الوسائل التي هيئة كجهاز.

ويظهر من رواية أنّ ثلث ثمن الدرع صرف لشراء الجهاز ويفهم منها مدى بساطة أدوات المنزل الجديد لهذين الزوجين السعداء في عالم البشرية والبعيدة غاية البعد عن التشريفات.

وقد ذكر أرباب السير والتاريخ جهاز سيّدة النساء عليها السلام وتأمله يجعل الإنسان إزاء عالم من الصفاء والزهد والورع العجيب، بحيث يطأطى ء كلّ إنسان نجيب رأسه لتلك العظمة والجلال.

ويتكون جهاز كريمة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الذي اشتراه صحابته صلى الله عليه و آله ممّا يلي:

ص: 41

1- فراش مصري داخله صوف.

2- رحى يدوية.

3- سرير مزمل بشريط.

4- قطيفة سوداء خيبرية.

5- شن للماء.

6- مخضب من نحاس.

7- سقاء من آدم.

8- مطهرة.

9- ستر من صوف.

كان هذا هو جهاز الزهراء عليها السلام على قول 30).

فلما وضع بين يدي النبي صلى الله عليه و آله نظر إليه وبكى. ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال:

«اللّهم بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف»(1).

وتأمل هذا الجهاز العجيب والتاريخي والدعاء الذي ذكره النبي الأكرم صلى الله عليه و آله يعلم الإنسان الكثير من الأشياء. والعظمة والجلال الكامنة في هذا الجهاز البسيط المتواضع وما يلهم أبناء الإسلام طيلة القرون ليفوق الوصف.

فقد أراد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أن يلقن البشرية درساً بليغاً طيلة الدهور بذلك العمل. ويثبت أن الإسلام لا يتمحور حول الاستغراق


1- المصدر السابق

ص: 42

في الكماليات والتنافس المادي المعقد الذي يُصعبِّ مسألة الزواج ويقف حائلًا دون إقدام الشبّان ذوي الدخل المحدود على الزواج ممّا يؤدي ذلك إلى مفاسد اجتماعية.

فأساس ودعامة الأعمال الهادفة تستند إلى السهولة واليسر والصفاء والصميمية.

وما أبانه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله كنموذج وقدوة لا يعد سهلًا بسيطاً خالياً من التكلف في المقاييس المعاصرة، بل كان المجتمع آنذاك يراها بسيطة ومتواضعة، حتّى عرض المتهافتون على الدنيا آنذاك الذين مازالت تقاليد الجاهلية المترسبة في أعماق أرواحهم وقلوبهم باللوم للزهراء عليها السلام على هذه الحياة البسيطة لزوجها وسمعوا ذلك الجواب العظيم من النبي الأكرم صلى الله عليه و آله والذي ذكرناه سابقاً.

وكلّ هذا تحذير لكلّ أولئك الذين تستهويهم زخارف الحياة الدنيا ومظاهرها الجذابة دون النظر إلى ما هو أرفع وأهم من كل ذلك، بل يبدون اهتماماً حتّى بالماركة الداخلية أو الخارجية ولون وشكل هذه الأدوات!

والنبي الأكرم صلى الله عليه و آله كان يستطيع أن يوفر من الأثاث أفضل وأحسن ممّا ذكر لبنته الوحيدة الزهراء عليها السلام والوحيدة التي خلفتها زوجته الوفية خديجة، والوحيد صاحبه وعضيده الدائم علي عليه السلام، لكنّه عمداً لم يفعل ذلك ولو فعل لفقد هذا الأمر الخالد

«لقد كان لكم في رسول اللَّه اسوة حسنة»

قيمته.

ص: 43

والعجيب أنّ طائفة من المسلمين تسمع هذا الكلام وتمر عليه مرّ الكرام، وأحياناً يصطلحون على هذا الزهد بضرورة العصر والزمان، الضرورة المرهونة بها كرامتهم وماء وجوههم.

والحال ليست تلك الضرورة سوى «ذريعة» أو «وهم» أو «خيال» كسائر الأوهام والتخيلات في مسرح الحياة.

والأكثر سخرية من كلّ ذلك أحياناً يضمون تبركاً وتيمناً مهر الخمسمائة درهم للزهراء عليها السلام إلى جانب ذلك المهر الفاحش من عدّة ملايين! أو يضع البعض جانباً من وسائل مهرها عليها السلام للتأسي بها إلى جانب الأدوات الكمالية الفادحة الثمن.

وهذا أشبه بأن يوضع على مائدة غناء بأنواع الأطعمة المحلية والأجنبية والتقليدية والعصرية مقداراً من خبز الشعير والملح على أنّ هذا طعام مولى المتقين وإمام الأحرار علي عليه السلام ونحن شيعته ومحبّوه!

أنا أعتقد بأنّ انتشال أغلب الآباء والامهات المتعبين الغارقين في الشكليات من تحت أنقاض التقاليد والعادات والسنن الخاطئة والخرافية ليس بالعمل الهين.

والشبّان سواء البنين والبنات ذوو الأرواح الشفافة أعظم استعداداً لتحطيم الموروث البالي والقضاء على العادات والتقاليد الزائفة. عليهم أن ينهضوا ولا يسمحوا بأن يكون مصيرهم ألعوبة بيد هذه التقاليد العمياء والتنافس المحموم وأن يحترق صفاء ونقاء أزواجهم في نيران

ص: 44

هذه الرسوم الخاطئة وغير المنطقية.

لابدّ لهم أن يتحكموا بمصيرهم ويضعوا حدّاً لأولئك المعماريين الذين يضعون اللبنة الاولى معوجة لأساس الحياة فيعلو أعوجاً ويثبتوا بالقول والعمل أنهم يتبنون المهور المعقولة والجهاز البسيط ومراسم الزواج المتواضعة والمفعمة بنقاء الإسلام.

ولابدّ أن يثبت الفتيان أنهم يقتدون بحياة الزهراء المرضية عليها السلام أعظم شخصية نسوية في العالم البشري ولا يصغوا لوساوس هذا وذاك ولا يكترثوا للعداوات المتبرقعة بالخير، وكلي أمل بتأثير هذا الكلام في نفوس الشبّان.

***

ص: 45

4- خطبة العقد

اشارة

ص: 46

ص: 47

مراسم خطبة العقد

هذه المراسم هي الاخرى غالباً ما تقترن بالتشريفات الكثيرة، وتتخللها أحياناً مختلف الآثام، إلّاأنها أقل حدّة مقارنة بحفل ليل الزفاف (حفلة العرس).

ولكن تشاهد في هذه المراسم جوانب رائعة في تطبيق الشريعة الإسلامية من قبيل: إلقاء خطبة تشتمل على الآيات القرآنية وروايات المعصومين عليهم السلام بشأن أهميّة الزواج وما ينطوي عليه من قيم ومثل وتفصح عن وظيفة الكبار إزاء هذا الأمر الحيوي؛ أو اتباع سنّة حسنة كجلوس العروس على سجادة الصلاة مستقبلة القبلة وبين يديها القرآن كدلالة على الإيمان والورع والتقوى، والمرآة ووعاء الشمع الذي يرمز إلى الطهر والوضوح وسلسلة من الأعمال البسيطة التقليدية الاخرى التي ربّما يكون المشاهد لها أعرف بها من الكاتب، وكلّ هذه الامور بمحلها رائعة وحسنة. إلّاأنّه من غير المقبول بل غير الجائز شرعاً أن ترتدي النساء والفتيات الثياب الكاشفة عن المفاتن

ص: 48

والتحلي بأنواع الزينة والتعطر أمام الرجال والشبّان من غير المحارم ممّا يؤدي ذلك إلى مفاسد اجتماعية.

وهناك ظاهرة سيئة في أغلب حفلات العرس حيث يأتي المصوّرون لتصوير حفلة العرس على جهاز الفيديو والتي تتخللها الرقصات والغناء واطلاق الكلمات غير الملتزمة بين الفتيان والفتيات والرجال والنساء ممّا يجعل هذه المراسيم تغص بالذنب والمعصية والتمرد على اللَّه فيفيضون الخلود على آثامهم.

***

وما أحرانا أن ندع الخوض في الفضائع وننطلق صوب الأسرة النموذجية والتي تتفرد بما يتصف به جميع الصلحاء.

ونشرع بخطب عقد سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام؛ خطبة اللَّه تعالى وخطبة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وخطبة علي عليه السلام وهي خطبة ذات معنى وعبرة.

كانت الخطبة الأولى للَّه تعالى في عقد الزهراء عليها السلام:

«الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلّهم عبيدي وإمائي، زوّجت فاطمة أَمتي من عليٍّ صفوتي، إشهدوا ملائكتي».

فالعبارات الاولى لهذه الخطبة تمرغ أنوف المستكبرين والمغرورين بالتراب وأن العظمة مختصة باللَّه، وتعتبر العبارات التالية الحدّ الأخير للإنسانية وهي العبودية للَّه تعالى.

ثمّ تصف المفخرة العظمى لفاطمة عليها السلام بالعبودية للحقّ وافتخار

ص: 49

علي عليه السلام كونه صفوة اللَّه من عباده.

ثمّ عقد اللَّه تعالى بولايته المطلقة عقد زواج هاتين الشخصيتين اللتين أخلصتا العبودية للَّه و كانتا قدوة لجميع المسلمين وأشهد على ذلك جميع ملائكته المقربين.

والخطبة الثانية للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله خطبها طبقاً للروايات بعد ذلك بأربعين يوماً (ومدّة الأربعين لها مغزى سواء كانت لمراعاة جانب الأدب أو رمز التكامل).

وخطبته صلى الله عليه و آله:

«الحمد للَّه المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع في سلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمّد. ثمّ إنّ اللَّه جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه وتعالى جدّه: «هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديراً ...» ثمّ إنّي أشهدكم إنّي قد زوّجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة ...»(1).

ففي هذه الخطبة وضمن عدّ الامور الدقيقة والظريفة لمعارف


1- بحار الأنوار، ج 22، ص 119، العبارة 400 مثقال فضة التي وردت في هذه الرواية شاذة وربّما خطأ الرواة فالمعروف 500 درهم وهذا غير المهر الذي دفع من مال الدرع

ص: 50

التوحيد وصفات اللَّه الجمالية والجلالية وأفعاله التي تشكل الدعامة الأصلية لاعتماد وثقة الأسرة، إشارة إلى الخلق العجيب للإنسان من ماء (نطفة) واتساع نسله عن طريق النسب والزواج وخاضت في أهميّة مسألة الزواج لتعتبره وسيلة مفروضة وواجبة، وبالتالي خاضت في إجراء عقد سيّدة النساء على عظيم عالم الإنسانية.

وأما بشأن خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد قال له النبي الأكرم صلى الله عليه و آله قم يا علي واخطب لنفسك. فقال عليه السلام:

«الحمد للَّه الذي قرب من حامديه ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه، نشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، والنكاح ممّا أمر اللَّه به ويرضاه، واجتماعنا ممّا قدّره اللَّه وأذن فيه، وهذا رسول اللَّه زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم قد رضيت فاسألوه واشهدوا»(1).


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 112

ص: 51

5- حفل الزفاف

اشارة

ص: 52

ص: 53

مراسم الزفاف

إنّ أحد آمال أغلب الآباء والأُمّهات أن يبقوا أحياءً ليروا مراسم زفاف أبنائهم وهي ممتعة حقّاً. بشرط أن لا يحيلوا بأعمالهم الطائشة ليلة الفرح تلك إلى عزاء.

وهذه المراسم موجودة في الإسلام ووردت في الأخبار والروايات بعنوان «وليمة الزفاف»(1).

ويستطيع كلّ فرد أن يدرك فلسفتها بأدنى تدبّر وتأمل لما يلي:

أوّلًا:

حضور الأفراد من الأقرباء والأصدقاء في هذه المراسم يسبغ رسمية تامة على الحياة المشتركة الجديدة للزوجين ويدفعهما بشدّة إلى تحمل مسؤوليتهما نحو الزواج، ولو تمّت في الخفاء وبدون أيّة مراسم لأمكن لكلّ طرف أن يتنصل بسهولة من التزاماته ويسلك سبيل الانفصال حين تواجههما أبسط مشكلة في حياتهما الجديدة!


1- وسائل الشيعة، ج 14، الباب 20 من أبواب مقدمات النكاح

ص: 54

إلّا أن عملًا بهذا الضجيج وبحضور ذلك الجمع من الأقرباء لا يبدو بالأمر الهين بحيث يغمض عنه بسهولة أو التعامل معه كموضوع خاصّ وبسيط؛ وعليه فالمراسم المذكورة تحكم عقد الزواج بالدرجة الاولى وتكسبه رسمية وعينية.

ثانياً:

حين تبنى دعامة شروع الحياة الجديدة على الفرح والسرور فإن الخاطرة الحسنة التي تبقى منه في ذهن الطرفين مدعاة لأن يعتبرانها حادثة سارة ومفرحة طيلة عمرهما، ويتحملون بالطبع بسببها العديد من المشكلات وينظرون بتفاؤل إلى القضايا المتعلقة بالمستقبل.

ثالثاً:

تدعو هذه المراسم الأقرباء والأصدقاء من خلال حضورهم لأن يعتبروا أنفسهم شركاء في حلّ مشاكل الأسرة الجديدة في الحاضر والمستقبل، وبالنظر إلى أن تكوين حياة مشتركة ينطوي على بعض المشاكل فإنّ مساهمة هؤلاء في حلها سيكون مفيداً قيّماً وله فوائد اخرى.

إلّا أنّ المشكلة تبدأ حين تمتزج هذه المراسم المفيدة والقيمة والمفرحة بالاستغراق بالمظاهر وأنواع الهوى والهوس والصرف الطائش والإسراف والتبذير ومختلف المعاصي، وتصبح النتيجة هنا معكوسة تماماً.

وتصبح ليلة هم وغم بتكاليف باهضة وذكريات مريرة وأليمة، ليلة تغص بأنواع المفاسد والآثام التي تسخط اللَّه تعالى، وبالتالي ليلة لا

ص: 55

تبقى آثارها السيئة عالقة في روح الزوجين الشابين فحسب، بل في قرابتهما ومعارفهما لسنوات عديدة.

وما نورده بهذا الشأن قضايا سمعناها من بعيد ومن رآها عن قرب قطعاً أعرف بعمق هذه الفضائع، وأين السمع من الرؤية.

فليلة الزفاف في الأسر المتحللة ليست مصيبة لوالدي العروس والعريس فحسب، بل ليلة مرهقة لجميع المدعوين وليلة سباق في التجمل واستعراض الأشخاص ومباهاة كلّ طرف الطرف الآخر بالثياب الفاخرة والجواهر.

وأغلبهن يتهيئن لهذا الاستعراض قبيل أسابيع وربّما أشهر ويوصين بالجديد من الألبسة والمجوهرات. وأكثرهن يتجملن وكأنّهن نسين أنفسهن أنّ العروس بنتهنّ وليست هنّ.

وحيث يسعى كلّ في ميدان السباق لكي يتقدم على غيره، فلابدّ أن يتكبد كلّ فرد تكاليف باهضة وعناء كبير، ولعلّ هذه المسائل تؤدي إلى الاختلافات بينهن وبين أزواجهن لم لم ينفقوا الأموال اللازمة بهذا الخصوص حتّى لا يتخلفن عن منافساتهنّ ويزول ماء وجوههنّ.

ولكم أن تتصوروا الموقف إن ساء الاختلاط في مجالس النساء وماذا ستقع من مفاسد وانحرافات! قطعاً سيظهر وسط «ممهد» و «مليئ» بأنواع المعاصي، ومن الواضح أن آثار هذه المعاصي ستفعل فعلها وسوف لن تكتب لهذا الزواج السعادة والموفقية.

ص: 56

والشي ء المغيَّب الذي لا معنى له في هذه المجالس ذكر اللَّه والطهر والتقوى وسعادة الزوجين الجديدين.

والتاريخ يحتفظ في ذاكرته بالإسراف الجنوني من جانب الأثرياء المرفهين وطواغيت كلّ عصر ومن ذلك بذخ العباسيين على حفلات زفافهم من بيت مال المسلمين.

ففي إحدى هذه المراسم قام الخليفة العباسي بدلًا من النقود والمسكوكات أو الحلويات التي تطرح من قبل بعض الناس على رأس العروس (التي يعبر عنها بالنثار) بنثر أوراقاً على رأس العروسين تحمل ملكية بيت أو عقار وكلّ من يظفر بواحدة يصبح صاحب ملك (وبالطبع فإنّ الأفراد الذين يحضرون تلك الحفلات من رجال البلاط الأثرياء).

***

ولنرى الآن طبيعة مراسم الزفاف لهذه الأسرة النموذجية والفريدة من نوعها.

مضى شهر على عقد الزهراء عليها السلام وعلي عليه السلام. فانطلقت امّ أيمن مع بعض أزواج النبي صلى الله عليه و آله إليه. فابتدأت امّ أيمن من موضع رائع يثير القلب الطاهر للنبي صلى الله عليه و آله فقالت:

«لو أنّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها».

ثمّ قالت: علي عليه السلام يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة وتجمع بها شمله.

ص: 57

فقال صلى الله عليه و آله:

«أعدي لهما بيتاً؟».

قالت امّ سلمة:

«في أي حجرة يا رسول اللَّه؟»

فقال رسول اللَّه:

«في حجرتك وأمر نساءه أن يزين ويصلحن من شأنها ...».

قال علي: ثمّ قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلًا».

ثمّ قال:

«من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن»

، فاشتريت تمراً وسمناً فحسر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخبز لنا خبزاً كثيراً.

ثمّ قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«ادع من أحببت».

فأتيت المسجد وهو ملي ء بالصحابة، فأحببت أن أشخص قوماً وأدعو قوماً، ثمّ صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالًا، فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام، فعلم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما تداخلني فقال:

«يا علي إنّي سأدعو اللَّه بالبركة».

قال علي: فأكل القوم عن آخرهم طعامي، وشربوا شرابي، ودعوا

ص: 58

لي بالبركة وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شي ء.

ثمّ دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثمّ أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها حتّى إذا انصرفت الشمس للغروب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا امّ سلمة هلمي فاطمة، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصببت عرقاً حياء من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فعثرت.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«أقالك اللَّه العثرة في الدنيا والآخرة».

فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتّى رآها علي عليه السلام، ثمّ أخذ يدها فوضعها في يد علي عليه السلام وقال:

«بارك اللَّه لك في ابنة رسول اللَّه يا علي نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة نعم البعل علي إنطلقا إلى منزلكما ولا تحدثا أمراً حتّى آتيكما».

قال علي: فأخذت بيد فاطمة وانطلقت بها حتّى جلست في جانب الصفة وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياء منّي وأنا مطرق إلى الأرض حياء منها.

ثمّ جاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: من ههنا؟ فقلنا: ادخل يا رسول اللَّه مرحباً بك زائراً وداخلًا، فدخل، فأجلس فاطمة من جانبه ثمّ قال: يا فاطمة آتيني بماء فقامت إلى قعب في البيت فملأته ماء ثمّ أتته به، فأخذ جرعة فتمضمض بها ثمّ مجها في القعب ثمّ صبّ منها على رأسها، ثمّ قال: أقبلي! فلما أقبلت نضح منه بين ثدييها، ثمّ قال:

ص: 59

أدبري فأدبرت فنضح منه بين كتفيها ثمّ قال:

«اللّهم هذه ابنتي وأحبّ الخلق إليّ، اللّهم وهذا أخي وأحبّ الخلق إليّ اللّهم اجعله لك ولياً وبك حفياً، وبارك له في أهله، ثمّ قال: يا علي ادخل بأهلك بارك اللَّه لك ورحمة اللَّه وبركاته عليكم إنّه حميد مجيد»(1).

ونسلط الضوء على هذا الحديث لنتأمل رسائله الصريحة والكنائية، ونركز على الصفاء والبساطة والنور الذي يخيم على كلّ جزء من هذه المراسم الجميلة والروحية الجليلة ومنها:

- الضيوف وجميع صحابة النبي صلى الله عليه و آله كانوا حاضرين في المسجد، أي أربعة آلاف نفر!

- اسلوب الدعوة بتلك البساطة عن طريق رسالة شفوية وعامة من قبل العريس.

- قبول الدعوة من قبل الجميع والاشتراك العام في هذا المجلس الجليل.

- يقتصر الطعام على الخبز واللحم والتمر بصفته حلويات.

- اعداد الحلويات كان بيد النبي صلى الله عليه و آله.

- تقسيم التكاليف بين والد العروس والعريس.

- البركة العجيبة للطعام بدعاء النبي صلى الله عليه و آله والأكل المتواضع للأصحاب والمباركة والخروج.

- بعث ما تبقى من طعام إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و آله.


1- بحار الأنوار، ج 43 ص 95 و 96( بتلخيص)

ص: 60

- حشمة وحياء للعروس.

- وصية العروس والعريس بكلّ منهما الآخر والتبريك الحار عليهما من قبل النبي صلى الله عليه و آله.

- اعلان اختتام مراسم حفل الزفاف من جانب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

يا له من رائع وجميل مثل هذا الحفل وهذه المراسم!

طبعاً لا نتوقع أن يفعل الناس عين هذا، ولكن نتوقع أن يتحاشون تلك التكاليف الباهضة والإسراف والبذخ الجنوني والتلوث بمختلف الذنوب وهتك العفة.

***

نشيد السرور

اشتركت في تلك الليلة التاريخية نساء النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وأغلب نساء المهاجرين والأنصار وكن ينشدن أناشيد السرور وقد سجل التاريخ نشيد أربعة منهن: امّ سلمة، معاذة (اشمّ سعد بن معاذ) وعائشة (بنت أبي بكر) وحفصة (بنت عمر) ونكتفي هنا بنقل نشيد حفصة وسماع كلامها هنا على لسانها أفضل:

فاطمة خير نساء البشرومن لها وجه كوجه القمر

فضلك اللَّه على كلّ الورى بفضل من خصّ بآي الزمر

زوجك اللَّه فتى فاضلًاأعني علياً خير من في الحضر

فسرن جاراتي بها أنّهاكريمة بنت عظيم الخطر(1)


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 116

ص: 61

وجميع الأناشيد- التي انشدت بطهر لا معصية فيه- عميقة وملهمة ومعلمة وأضفت صفاءً متجدداً على وسط ذلك الحفل مع ذلك النفح الإلهي.

سرور الكروبيين ونثار العروس

كان كلّ هذا جانب من القضية وفي العالم السفلي، ولكن يظهر من الروايات أن حفلًا أعظم وأجل عقد في محفل الكروبيين في العالم العلوي:

إنّ اللَّه تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة طه وطواسين ويس وحمعسق، ثمّ نادى مناد من تحت العرش: ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب عليه السلام ألا إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة بنت محمّد من علي بن أبي طالب رضى مني بعضهما لبعض. ثمّ بعث اللَّه تبارك وتعالى سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنّة وقرنفلها، هذا ممّا نثرت الملائكة(1).

نعم! لم يكن لمحفل بذلك الطهر والنقاء والروح على الأرض أن ينفصل عن محفل أهل الجنّة والملائكة المقربين، فعالم الوجود واحد


1- بحار الأنوار، ج 43، ص 102

ص: 62

متصل ومنسجم.

تعالوا وافعلوا ما يجعل حفل زفاف أولادكم يقتطف من ذلك النموذج ويتناغم معه سكنة العالم العلوي.

الختام

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.